نصية يكتب عن مصالحة الرئاسي: وطنية أم مصلحة شخصية ؟

0

ليبيا – كتب عضو مجلس النواب عبدالسلام نصية “مقال رأي” مطول حول ملف المصالحة الوطنية ومسيرته منذ عام 2012 تحت إسم ” مصالحة وطنية أم مصلحة شخصية ” ، معتبرًا أن هذا الملف رغم أهميته لم يلقى الاهتمام الكافي من قبل كافة الأطراف الليبية وكذلك الأطراف الخارجية المُتدخلة في القضية الليبية حسب تعبيره.

نصية إعتبر في مقاله الذي تلقته منه المرصد أن المجلس الرئاسي الحالي قد أضاع فرصة كبيرة لتحقيق تقدم في هذا الملف المهم من خلال تشتيت جهوده في قضايا أخرى والقفز الى إنشاء مؤسسات جديدة بدلًا من الاستفادة من القائمة حاليًا، مبينًا بأنه كان على المجلس العمل اولًا على توحيد التشريعات القائمة واقتراح تنقيحها نحو مصالحة وطنية حقيقية بعيدًا عن الإقصاء أو الاحادية وبمشاركة الجميع بما يخدم إيجاد توافق سياسي واسع وجمع السلاح وبناء مؤسسات الدولة والابتعاد عن استخدام هذا الملف للمزايدات أو البقاء في السلطة حسب تعبيره.

 

وفيما يلي النص الكامل للمقال :

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

يُعد ملف المصالحة الوطنية من اهم الملفات في القضية الليبية، حيث تنطلق منه كل الحلول النهائية للقضايا الخلافية الاخرى ، فلا يمكن جمع السلاح الا من خلال مصالحة وطنية حقيقية ولايمكن احداث توافق سياسيي على تداول سلمي للسلطة دائمًا وادارة عادلة للأموال الا من خلال مصالحة وطنية حقيقية.

وبالرغم من أهمية هذا الملف الا أنه لم يلقى الاهتمام الكافي من قبل الاطراف الليبية وكذلك الاطراف الخارجية المُتدخلة في القضية الليبية، وكان دئمًا ينظر اليه من زاوية المصالحة الاجتماعية بين المدن و القبائل خاصة بعد حدوث النزاعات المسلحة بينها. و الذي لعب فيه كبار السن دوراً بارزاً في ذلك من خلال رأب الصدع الاجتماعي بين الكثير من المدن و القبائل الليبية وكذلك في وقف وفك الاشتباك في كثير من النزاعات المسلحة، الا أن مفهوم المصلحة الوطنية الشامل للقضايا السياسية و الأمنية و الاقتصادية و الاجتماعية لم يلقى الاهتمام كما أشرنا سابقًا بالرغم من صدور بعض التشريعات المنظمة لذلك.

فقد أصدر المجلس الانتقالي القانون رقم ( 17 ) لسنة 2012 م بشأن إرساء قواعد المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، حيث وردت في مادته الثالثة اهداف القانون وهي

1- ترسيخ السلم الاجتماعي.

2- ردع انتهاكات حقوق الإنسان.

3- بث الطمأنينة في نفوس الناس وإقناعهم بأن العدالة قائمة وفعالة.

4- تحديد مسؤوليات أجهزة الدولة عن انتهاكات حقوق الإنسان.

5- توثيق الوقائع موضع العدالة الانتقالية وحفظها ثم تسليمها للجهات الوطنية المختصة.

6- تعويض الضحايا والمتضررين.

7- تحقيق مصالحات اجتماعية.

كما أقر القانون في مادته الرابعة انشاء هيئة وطنية تسمى هيئة تقصي الحقائق و المصالحة تتبع السلطة التشريعية و تختص بالاتي:

 

1- تقصى الحقائق حول الوقائع المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في الفترة من 1 سبتمبر 1969 والى تنفيذ القانون واتخاذ ما يلزم من إجراءا ت بشأنها بما في ذلك التوصية بإحالة المسؤولين عن ارتكابها إلى القضاء المختص.

2- دراسة وتحقيق الوقائع ذات الطبيعة الجماعية وأعمال العنف والاعتداء الممنهج أو العشوائي من جماعات أو تشكيلات نظامية أو غير نظامية والأضرار التي لحقت بالأرواح والأعراض أو الأموال بسببها.

3- إعداد تقرير عن كل واقعة تعرض عليها على أن يشمل التقرير ما يلي:-

أ – بياناً وافيا بالوقائع مدعوما بالأدلة.

ب – النتائج التي تم التوصل إليها من خلال الدراسة والتحقيق متضمنة تحديداً دقيقاً للمسؤولية والأشخاص ذوي العلاقة بها.

ت – ما قامت به الهيئة في سبيل محاولات الصلح بين الأطراف.

ث – توصيات الهيئة بشأن طرق معالجة الأمر أو حل المنازعات بما في ذلك التوصية بإحالة أشخاص أو وقائع إلى المحاكم المختصة.

4- مواصلة البحث بشأن حالات الاختفاء القسري والكشف عن مصير المختفين مع إيجاد الحلول المناسبة بالنسبة لمن لم تثبت وفاتهم.

5- تقديم مقترحات بتفعيل عملية نزع السلاح وتسريح المقاتلين ودمجهم في المجتمع.

6- تنمية وإثراء سلوك الحوار وإرساء مقومات المصالحة دعماً للتحول الديمقراطي والتواصل مع مؤسسات المجتمع المدني والتعريف بأداء الهيئة واختصاصاتها.

 

تم تشكيل الهيئة وباشرت أعمالها الا أنها لم تحقق الكثير لعدة اسباب منها عدم استكمال باقي المتطلبات الواردة في القانون كصندوق جبر الضرر وغيرها ، كما أن اندلاع النزاعات المسلحة أدى الى تعطيل عملها وعدم قدرتها على انجاز مهامها بالإضافة الى فشل القانون في مجمله في التعاطي مع حقيقة المشكلة الليبية. وبغض النظر عن الاسباب فإن المحصلة النهائية هو فشل القانون في معالجة ملف المصلحة الوطنية او حتى وضع اسس لذلك.

على اثر ذلك قام المؤتمر الوطني العام باقرار قانون العدالة الانتقالية رقم 29 لسنة 2013 . حيث أشار في مادته الاولي إلى مفهوم العدالة الإنتقالية وان الهدف منها الوصول الى المصالحة الوطنية وإصلاح ذات البين وترسيخ السلم الاجتماعي والتأسيس لدولة الحق والقانون.

وحدد في مادته الثالث ان القانون يسري على الفترة من 1 سبتمبر 1969 والى غاية انتهاء المراحل الانتقالية وانتخاب سلطة تشريعية وفقا لدستور دائم للبلاد. القانون ينشئ في مادته السابعة هيئة مستقلة تسمى هيئة تقصي الحقائق و المصالحة تتبع الجهة التشريعية وتقوم بالاتي :

1- تقصي الحقائق حول الوقائع المتعلقة بالاتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الانسان، وتحديد هويات المتورطين في هذه الانتهاكات.

2- رسم صورة كاملة لطبيعة وأسباب ومدى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي ارتكبت خلال العهد السابق.

3- جمع وجهات نظر الضحايا ونشرها.

4- توثيق الروايات الشفهة للضحايا.

5- دراسة أوضاع النازحين في الداخل و الخارج واتخاذ القرارات بالتدابيير اللازمة لتوفير حياة كريمة لهم، وتمكينهم من حقوقهم أسوة بغيرهم من الليبيين، وللحيولة دون إيقاع أي تمييز ضدهم.

6- العمل على إعادة النازحيين في الخارج من المواطينين الليبين بالاضافة إلى حل مشكلة النازحيين في الداخل.

7- البحث في ملف المفقودين والمعتقلين وإصدار القرارات المناسبة من أجل إتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجته وما يلزم من تدابير لضمان حياة كريمة لأسرهم.

8- التعاون مع تنظيمات المجتمع المدني التي تقوم على أساس موازنه لأساس قانون العدالة والمصالحة.

9- إصدار القرارات الخاصة بالتعويض المناسب للضحايا بأشكاله المختلفة مثل التعويض المادي، أو تخليد الذكرى أو العلاج أو إعادة التأهيل وتقديم الخدمات الاجتماعية وتكون قراراتها ذات صفة ملزمة.

 

لم يتم تفعيل القانون وبذلك لم تشكل الهيئة وكل الصناديق و اللجان الواردة بالقانون إلى الأن ، وأصبح القانون بعد عدة سنوات من إقراره مجرد إسم للذكر في المحافل السياسية والاجتماعية عند الحديث عن المصالحة الوطنية.

إندلع الصراع المسلح في ليبيا في عملية ما يعرف بفجر ليبيا ودخلت البلاد في أزمة سياسية حادة و انقسام مؤسساتي كبير انتهى من خلال مصالحات اجتماعية ووقف الإشتباك، على اثرها تم الذهاب الى حوار سياسي مر بعدة مراحل كان اخرها الصخيرات المغربية حيث وقع الاتفاق السياسي الليبي في 17 ديسمبر 2015 وقد ورد في المبادئ الحاكمة له نص متعلق بالمصالحة الوطنية في الفقرة 26 حيث نصت على تفعيل اليات العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.

وكما حدث للاتفاق السياسي الليبي من انقسام وتعثر لم تُعير الحكومة أي اهتمام بهذه الفقرة وظل ملف المصالحة الوطنية في الأدراج وعلى لسان الساسة والمسؤولين في المحافل السياسية والاجتماعية دون تفعيل حقيقي أو خطوات ملموسة.

انتقلت القضية الليبية مرة اخري الى لجان الحوار وهذه المرة تنقلت من تونس الى جنيف عبر برلين لتصل الى محطة ملتقى الحوار السياسي في جنيف حيث تم الاتفاق على تشكيل سلطة تنفيذية جديدة مكونة من مجلس رئاسي وحكومة وقد ورد في مهام المجلس الرئاسي ملف المصالحة الوطنية بل يكاد أن يكون هو الملف الوحيد عمليًا للمجلس حيث نص الاتفاق على تكليف المجلس بإطلاق مسار المصلحة الوطنية وتشكيل مفوضية وطنية عليا للمصالحة، بالاضافة الى تحديد المصالحة الوطنية كأولوية من أولويات الحكومة طبقًا لما ورد في الفقرة 2 من المادة السادسة لخارطة الطريق تحت بند اولويات الحكومة حيث ورد ما نصه ” يتم الانطلاق في مسار المصالحة الوطنية والاجتماعية بمجرد التوافق على الجهات التنفيذية لمعالجة أثار النزاعات المختلفة، وذلك ابتداءً بانهاء ظاهرتي القبض والاحتجاز التعسفي والاخفاء القسري واطلاق سراح معتقلي الرأي و المحتجزين قسراً دون وجه حق والعمل على العودة الطوعية والامنة للمهجرين والنازحين من داخل وخارج البلاد وجبر الضرر دون اسقاط الحق الخاص في التقاضي”.

والان وبعد انقضاء مدة السلطة التنفيذية ومرور 18 شهرًا على تشكيلها لم يتحقق شيء من ذلك حتى بالنسبة للاجراءات الاولية واستمر القبض والاحتجاز التعسفي والاخفاء القسري واصبح ملف المصالحة الوطنية في المرتبة الاخيرة لاولويات السلطة التنفيذية وعاد من جديد الى مجرد كلام في المناسبات السياسية والندوات للمزايدات والمماحكات، وحتى المحاولة المحتشمة التي قام بها المجلس الرئاسي لاطلاق مشروع المصالحة الوطنية من خلال الاعلان عن إنشاء مفوضية للمصالحة الوطنية تعثرت بسبب الخلاف على رئاسة المفوضية وأيضًا بسبب اهمال المجلس الرئاسي للتشريعات والمؤسسات السابقة بالخصوص للاستفادة منها ودمجها في مشروع وطني واحد.

والان ونحن في عشية انتهاء خارطة الطريق المنبثقة عن ملتقي الحوار السياسي في جنيف وبعد مضي المدة القانونية للمجلس الرئاسي (18 شهرًا) أعلن المجلس أنه بصدد اطلاق رؤية استراتيجية لعمل المفوضية العليا للمصالحة وذلك يوم الخميس الموافق 23 يونيو 2022 بطرابلس.

في اعتقادنا أن المجلس الرئاسي قد أضاع فرصة كبيرة لتحقيق تقدم في هذا الملف المهم من خلال تشتيت جهوده في قضايا اخرى والقفز الى انشاء مؤسسات جديدة بدلًا من الاستفادة من القائمة حاليًا. فكان حريًا به العمل اولًا على توحيد التشريعات القائمة واقتراح تنقيحها نحو مصالحة وطنية حقيقية بعيدًا عن الإقصاء أو الاحادية وبمشاركة الجميع  وبما يخدم إيجاد توافق سياسي واسع وجمع السلاح وبناء مؤسسات الدولة. والابتعاد عن استخدام هذا الملف للمزايدات أو البقاء في السلطة.

ننتظر ما سيعلن عنه المجلس الرئاسي من استراتيجية للمصالحة الوطنية والتي نتمنى أنها انجزت بمهنية وبعيدًا عن الاصطفاف السياسي وبمشاركة الجميع وأن يتم اتاحة الفرصة لمناقشتها وتعديلها من كل الاطراف وأن تكون هناك آليات واضحة لتشكيل لجانها بناءً على القدرة والكفاءة والقبول الاجتماعي ، وان تحتوي على خطة واضحة لمعالجة التشريعات السابقة والمؤسسات المنبثقة منها وان تحوي آليات واضحة يتم من خلالها الوصول الى مصالحة وطنية حقيقية، فالمصالحة رحلة وليست محطة أو ندوة أو مؤتمر هي عمل حقيقي شفاف. وأن لا نعود الى مربع المصلحة الشخصية وليس المصالحة الوطنية.

 

د. عبدالسلام عبدالله نصية

19 يونيو 2022

اترك تعليقا