نيويورك تايمز: أمريكا تعاونت مع هذا المليشاوي.. واختفاء «حفتر» يُربك المشهد الليبي

0

رصد وترجمة/ اخبار ليبيا:

نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية اليوم الإثنين مقالة تحليلية للكاتب فريدريك ويري  تحت عنوان  (لقد ساعدناكم والآن تخليتم عنا) عاد في معظمها إلى قضية مقتل السفير الأمريكي  كريستوفر ستفينز في بنغازي عام 2012 مستعرضا الدور الذي لعبه شخص يدعى فتحي العبيدي في التعاون مع قوات الانقاذ الأمريكية التي وصلت مطار بنينا بعد ساعات من الهجوم على مقر القنصلية الأمريكية.

الكاتب  فريدريك اقتبس جزءا كبيرا من مقالته ، من  كتابه ” الشواطئ المشتعلة: داخل المعركة من أجل ليبيا الجديدة” وتساءل عن التعامل الأمريكي مع الأزمة الليبية وقضية الإرهاب في ضوء المستجدات الأخيرة، ودخول المشير خليفة حفتر إلى أحد المستشفيات الفرنسية، بحسب ماجاء في المقالة.

المتوسط رصدت المقالة، وقامت بترجمتها حرفيا، مؤثرة، كما جرت العادة، نشر المادة المترجمة دون تحوير أو تلخيص أو تحويلها إلى صيغة خبرية، مع التنويه على أن ماجاء في هذه المقالة يعبّر عن وجهة نظر الكاتب وصحيفة نيويورك تايمز فقط.

وهذا نص المقالة:

بنغازي ، ليبيا – يقع مجمع الفيلات الذي كان يؤوي سابقاً البعثة الدبلوماسية للولايات المتحدة في هذه المدينة ، وهو الموقع الذي قُتل فيه أربعة أمريكيين خلال الهجمات التي بدأت في 11 سبتمبر 2012. ويقع مركز الشرطة المحترقة على جانب الطريق ، كشاهد على القتال الأخير في المدينة, ولكن أبعد من ذلك ، فإن المجمع له شعور هادئ ، دون أي علامات للعنف, وتبدو المدينة المحيطة به هادئة كذلك ، على الأقل كما هو ظاهر. إنه أول سلام حقيقي لبنغازي منذ سنوات ، كما يقول السكان ، منذ سقوطها في الفوضى بعد الهجمات, وتراجع الولايات المتحدة.

أحد سكان المدينة السابقين ، فتحي العُبيدي ، يعرف ذلك التراجع جيداً. ففتحي العبيدي, الذي يناهز الخمسين من العمر, وكان يشتغل كغواص محترف, ولكن تحول إلى رجل ميليشيا بعد 17 فبراير 2011 ، لعب دورًا مصيريًا في ليلة الهجوم على البعثة الدبلوماسية الأمريكية في بنغازي عام 2012. وما حدث له في الأشهر والسنوات التي تلت ذلك, يبين كيف أن الخصومات المعقدة في ليبيا والولاءات المنقسمة أحبطت السياسة الأمريكية ، وأن خفض الوجود الأمريكي في ليبيا عجل في تفكك ليبيا.

في تلك الليلة من شهر سبتمبر ، كان السيد العُبيدي في الخدمة fمقر ميليشيته ، وهي جماعة مسلحة تدعى درع ليبيا ، كانت هي الأقوى في بنغازي في ذلك الوقت. في حوالي الساعة الواحدة صباحًا من يوم 12-9-2012 ، بعد ساعات قليلة من بدء الهجمات على مقر البعثة الدبلوماسية الأمريكية ، قام فريق إنقاذ أمريكي من قوات العسكريين الخاصة وضابط (السي أي أيه), بالهبوط في مطار بنغازي. لم يكن لديهم سياراتهم الخاصة, وليس لديهم طريقة لمغادرة المطار.

لقد حاول الأمريكيون إجراء اتصالاتهم بالأشخاص المرتبطين بهم, ولكن دون جدوى, لقد تقطعت بهم السبل, حتى كان ذلك الوقت الذي تلقى فيه السيد العٌبيدي المكالمة.

وصل فتحي العُبيدي إلى المطار في قافلة من سيارات لاند كروزر المدرعة وسيارات كيا سيدان, وتزامن وصوله مع قدوم عدد من المليشيات الأخرى كذلك. بالنسبة للأمريكيين الذين تقطعت بهم السبل ، بدا السيد العبيدي أكثر موثوقية من البقية ، أو على الأقل وفقاً لأحد الأمريكيين الذين كانوا في قلب الحدث، “أقل سوءاً”. قاد السيد العبيدي المركبة الرئيسية, وجلس أحد الأمريكيين بجانبه. كانت رحلة متوترة, خاف فيها الأمريكان من الوقوع في كمين.

ووصل فريق الإنقاذ بعد الساعة الخامسة صباحاً مباشرة إلى المبنى التابع ل(سي أي أيه). حيث هرب الناجون الأمريكيون من الهجوم الأول على مقر البعثة الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية الأمريكية, واحتموا في المبنى التابع ل(سي أي أيه)؛ والذي بدوره تم استهدافه مرتين في وقت سابق من ذلك الصباح.

رافق السيد العبيدي فريق الإنقاذ الأمريكي إلى داخل المبنى. وبمجرد دخولهم، سمع العبيدي صوت قذائف الهاون, حيث أمطر المهاجون عليهم وابل من القذائف: وصلت إلى ست قذائف هاون من عيار 81 ملم في غضون دقيقة. توفي أمريكيان كانا يدافعان عن المبنى من على السطح ، وأصيب آخرون بجروح بليغة.

مع تزايد خطر اجتياح المبنى, قرر رئيس فريق ال(سي أي أيه) الإنسحاب. في هذه الاثناء وصل موكب يضم المزيد من الشاحنات والمركبات من ميليشيا السيد العبيدي وآخرين ؛ وحمل الناجون رفاقهم الذين سقطوا. وفي مطار بنغازي، استقبل الأميركيون جثة السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز, وسافروا إلى طرابلس ، ثم إلى خارج ليبيا. بقى السيد العبيدي في بنغازي, وتم تأكيد روايته عن تلك الليلة ودوره من قبل شهادة رجال ال(سي أي أيه) في جلسات الاستماع بخصوص احداث بنغازي 2012.

معظم الأمريكيين على دراية بما حدث في واشنطن. سنوات من الشد والجذب وملايين الدولارات أنفقت على تحقيقات الكونغرس, والتي أضافت القليل إلى ما خلص إليه الاستعراض الداخلي لوزارة الخارجية حول الهفوات البيروقراطية في الأمن. لم تعد “بنغازي” مكانًا في ليبيا ، ثاني أكبر مدينة في البلاد ، بل كانت صرخة معركة. وفوق ذلك ، فإن تأثير “بنغازي” أبعد من دائرة صنع القرار في واشنطن – على ليبيا وخاصة على بنغازي نفسها – لم يكن أقل زلزال.

بعد الهجوم ، تراجع الدبلوماسيون الأمريكيون إلى سفارتهم في طرابلس ، وخُفّض موظفوهم وتقلّصت نشاطاتهم خارج جدران السفارة الخاضعة لحراسة مشددة. قال لي الدبلوماسيون أن البعثة الأمريكية في ليبيا أصبحت لديها مهمة مضاعفة تتمثل في تجنب أي مزيد من الخسائر في الأرواح, وتقديم مرتكبي اعتداء بنغازي  عام 2012 إلى العدالة. ونتج عن ذلك تراجع التفاعلات اليومية مع الليبيين, وكذلك معنويات السفارة ، وبشكل حاسم ، رؤى السفارة في السياسة الليبية, وحدث  التخفيض في الوجود الدبلوماسي في الوقت الذي كانت فيه البلاد تتفكك.

في بنغازي ، كان تأثير الغياب الأمريكي حادًا بشكل خاص, حيث خرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع بعد الهجوم لإحياء ذكرى موت الأمريكان, والمطالبة بطرد الميليشيات من مدينتهم وعودة القانون والنظام, ولكن هذا لم يحدث. وفي السنوات التالية ، هزت موجة من عمليات القتل, والتي كما يقول الناس كانت نتيجة، لتزايد التطرف بين الميليشيات الإسلامية, وعمليات الثأر القبلية والإجرام. وبحلول أواخر عام 2013 وأوائل عام 2014 ، كان النشطاء والقضاة والصحفيون ورجال الأمن يُقتلون بانتظام في حوادث إطلاق النار والسيارات المفخخة.

بالعودة إلى طرابلس ، شاهد الدبلوماسيون الأمريكيون المذبحة في بنغازي بفزع ورعب. كانت الهجمات تقتل محاوريهم الليبيين – بمن فيهم أولئك الذين كانوا يساعدون في التحقيق في هجوم 2012.

ومهدت أعمال العنف أيضاً الطريق أمام المُنقذ المحتم في بنغازي: الجنرال السبعيني خليفة حفتر ، والذي انشق عن جيش معمر القذافي في الثمانينيات وانتقل إلى الولايات المتحدة ، قبل أن يعود إلى ليبيا في عام 2011 أثناء الثورة. . وتولى الجنرال خليفة حفتر ، مركز الصدارة في مايو 2014 عندما شن هجوماً على ميليشيات بنغازي الإسلامية بائتلاف من الوحدات العسكرية الساخطة ومؤيدي القبائل.

كانت “عملية الكرامة” ، كما سميت ، بداية اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا ، داعية إلى التدخل من قبل قوى إقليمية متنافسة وتولد تصدعات لم تغلق بعد.

على الرغم من أن واشنطن بقت على مسافة من الجنرال حفتر ، رحب البعض بحملته, فبعد كل شيء ، الجنرال حفتر خاض حرباً ضد الإرهابيين الذين قتلوا الأمريكيين. هذا صحيح إلى حد ما, فعندما أعتقلت قوات العمليات الخاصة الأمريكية أحمد أبو ختالة ، المشتبه الرئيسي في الهجوم ، خارج بنغازي في يونيو 2014 ، كان فاراً من قوات الجنرال حفتر. لكن خطوط المعركة لم تكن واضحة كما بدت.  حيث أجبرت عمليته الإسلاميين المعتدلين, والذين دعموا الدولة الليبية, على التقارب مع المتطرفين – وهي عملية كانت جارية بالفعل. وفي الوقت نفسه, استهدف بعض رجال المليشيات الذين ساعدوا الأمريكيين في ليلة الهجوم.

أحد هؤلاء كان السيد فتحي العبيدي, والذي وكانت الميليشيا التابعة له ، درع ليبيا ، من بين أولئك الذين هاجمهم الجنرال حفتر ، وانتهى به المطاف في الخطوط الأمامية مع مجموعات أكثر تطرفاً. وبينما كانت الأسلحة والأموال من خارج البلاد تميل الكفة في الحرب لصالح الجنرال حفتر ، هرب السيد العبيدي من بنغازي.

عندما قابلني السيد فتحي العُبيدي لتناول القهوة مساء ذات يوم في الصيف الماضي, كان يرتدي ثوب الصلاة الأبيض ويضع نظارات ملونة, وبدا لي حينذاك كأنه يمثل المشهد المرتبك في ليبيا ورمزاً للولاءات المتشابكة التي أربكت سياسة أمريكا. وقد اتهم النقاد فريق الإنقاذ الأمريكي بخطأ وضع الثقة في رجال الميليشيات ليلة الهجوم. ولكن نظرا لعدم وجود أي شرطة أو جيش حقيقي في تلك الليلة ، فإن رجال الميليشيات مثل السيد العبيدي كانوا الخيار الوحيد. لم يكن هناك أسود وأبيض ؛ ولكن ظلال الرمادي فقط.

تواجه السياسة الأمريكية في ليبيا اليوم مرة أخرى ظلال من الرمادي وقضية مكافحة الإرهاب, تميل إلى تسطيح وتعتيم التعقيدات. يستمر هذا السرد من قبل الرجل القوي الطموح الجنرال حفتر ، في تعامله مع إدارة ترامب.

لقد تلقت حملة مكافحة الإرهاب ضربة عندما تم إدخال الجنرال حفتر إلى المستشفى في فرنسا الأسبوع الماضي. في الحقيقة ، كانت  قيمته كشريك في مكافحة الإرهاب دائماً محدودة: فقد ضعف تحالفه العسكري بسبب الانقسامات القبلية والفئوية وطموحاته السياسية جعلته ذا استقطاب عميق.

إن اختفائه من المشهد سيطلق فصلاً جديداً من عدم اليقين في ليبيا – ولكن  يشكل أيضاً فرصاً للدبلوماسية الأمريكية المتجددة.

إن المشاركة الأمريكية المتضاءلة أمر محسوس في جميع أنحاء ليبيا ، ولكن بشكل خاص في بنغازي ، حيث يحزن الناس على ربط صورة المدينة بصور سلبية من العنف والإرهاب, ويتوقون إلى عودة الأمريكان, والتواصل الذي كان السمة المميزة لكريس ستيفنز ، السفير الأمريكي الذي قتل في تلك الليلة.

في أماكن أخرى من البلاد ، لدى الليبيين الذين فروا من بنغازي آراء متشابهة, فعندما رأيت السيد العبيدي ، طلب مني المساعدة. وقال: “لقد ساعدناكم والآن تخليتم عنا”. ثم ، للتأكيد على وجهة نظره ، أظهر لي صورة لشهادة قدمها له الأمريكيون بعد وقت قصير من هجوم 2012 ، موقعة بإمضاء الدبلوماسيين الأمريكين, جاء فيها:

“ذهب فتحي إلى أبعد الحدود من أجل توفير الأمن وتسهيل الحركة لقوات الإنقاذ الأمريكية التي أرسلت لإخلاء جميع أفراد البعثة الأمريكية في بنغازي. كان فتحي ملتزمًا ومحترفًا في كل شيء ، وكان يخاطر دائمًا بحياته وحياة رجاله..”

 

 

 

 

 

 

 

يمكنك قراءة الخبر في مصدره صحيفة المتوسط

اترك تعليقا