حفتر والسراج في ضيافة ماكرون: مبادرة محفوفة بالتعقيدات لحل الأزمة الليبية

0

عقد فايز السراج وخليفة حفتر لقاء الثلاثاء (25 يوليو 2017) في قصر لا سيل سان كلو التابع لوزارة الخارجية الفرنسية في منطقة باريس برعاية ماكرون وبحضور موفد الأمم المتحدة الجديد إلى ليبيا غسان سلامة. ويؤكد الخصمان، بوصفهما أبرز شخصيتين مؤثرتين في المشهد الليبي، أن الحل السياسي وحده سيخرج ليبيا من الأزمة، كما يكرران تأكيد صلاحية اتفاقات 2015 المبرمة برعاية الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية.

ليبيا المستقبل (عن العرب اللندنية): تنغمس الولايات المتحدة الأميركية في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط، لكن الخبراء يؤكدون أن هذه الحرب مبتورة ولن تأتي بنتائج حاسمة ضد داعش والإرهاب طالما بقيت ليبيا في مصاف الدول الفاشلة وفي حالة فوضى تسمح للإرهاب بالتنفس. فكلما طالت مدة الفراغ الدولي زاد حجم الخطر.

ومن الواضح أن ما تم التوصل إليه بشأن ليبيا إلى اليوم لم يفعل أكثر من إخفاء صدوع سرعان ما تعود للظهور عند أول خلاف بين الحكومتين المتنافستين؛ وهذا ما دفع قوى إقليمية وأطرافا وسيطة إلى معالجة الأزمة انطلاقا من هذه النقطة، أي رأب الصدع وبشكل فعّال بين أبرز شخصيتين مؤثرتين في المشهد الليبي. وكان أن استضافت أبوظبي منذ حوالي شهرين لقاء جمع القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر برئيس المجلس الرئاسي فايز السراج بمبادرة إماراتية مصرية، وهو ما اعتبرته أوساط ليبية بداية لحل الأزمة التي تعصف بالبلد منذ سنوات.

وسارت على نفس النهج باريس التي نظمت بدورها يوم 25 يوليو 2017 لقاء جمع الرجلين وانتهى بتوقيع اتفاق التزم فيه السراج وحفتر بوقف إطلاق النار وتنظيم انتخابات في أقرب وقت، وفق مسودّة بيان نشرتها الرئاسة الفرنسية. ولا يعترف حفتر، المعيّن من مجلس النواب المنعقد بطبرق علي رأس القوات في شرقي البلاد، بسلطة حكومة الوفاق، بينما يصرّ السراج على وجوب تبعية وخضوع القيادة العسكرية لسلطة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق.

واجتمع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي فايز السراج والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي قرب باريس برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يسعى للحصول على تعهد منهما بالتوصل إلى تسوية وإنهاء الفوضى. ويعد هذا اللقاء الثالث بينهما، إذ سبق وأن التقى السراج وحفتر في يناير 2016 بعيد تعيين السراج، والتقيا في أبوظبي في مايو 2017. وفي ديسمبر 2015 وقعت أطراف النزاع الليبي برعاية الأمم المتحدة اتفاقا لإنهاء أزمة تعدد الشرعيات تمخض عنه مجلس رئاسي لحكومة الوفاق الوطني ومجلس الدولة، إضافة إلى تمديد عهدة مجلس النواب في مدينة طبرق (شرق)، باعتباره هيئة تشريعية، لكن مجلس النواب رفض اعتماد حكومة الوفاق برئاسة السراج مشترطا إدخال تعديلات على الاتفاق.

ورغم إقرار الرئاسة الفرنسية بأن اللقاء لن يحلّ النزاع، فإنها تأمل في الحد الأدنى بجعلهما يوقعان على إعلان مشترك يحدد مبادئ الخروج من الأزمة، ويساعد على التخفيف من تداعياتها على أوروبا خصوصا فيما يتعلق بملف المهاجرين غير الشرعيين، بالإضافة إلى التهديد الإرهابي في أفريقيا أساسا والذي تلعب فرنسا دورا حيويا في محاربته.

عندما دخل فايز السراج، في ربيع 2016، طرابلس على متن فرقاطة بحرية، رأى في تلك الخطوة نجاحا لحكومته وبرلمانها. لكن بالكاد تغيّر شيء. لم ينجح السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني الضعيفة، الذي يحظى بدعم المجتمع الدولي في بسط سلطته على البلاد بالكامل بعد عام ونصف العام من انتقال حكومة الوفاق إلى طرابلس. أما المشير حفتر فيحظى بدعم برلمان طبرق المنتخب ونجح في تحقيق مكاسب عسكرية ميدانية في الشرق في مواجهته مع فصائل إسلامية لا سيما في بنغازي. ويعتبر الجيش الليبي حاليا أكبر قوة عسكرية في البلاد.

تحد فرنسي

جعل الرئيس الفرنسي الملف الليبي بين أولوياته وتبنى النهج البراغماتي لوزير خارجيته جان إيف لودريان، وزير الدفاع السابق الذي “يأخذ في الاعتبار الوقائع على الأرض”. ويعد المشير حفتر حصنا في وجه الخطر الجهادي. وقد كشف مقتل ثلاثة عسكريين فرنسيين العام الماضي في ليبيا عن مساندة باريس لقوات حفتر. وقام لودريان بعيد تسلّمه حقيبة الخارجية بجولة إقليمية لإحياء الجهود حول ليبيا معوّلا على علاقاته القوية مع العديد من أطراف الأزمة وخصوصا مصر والإمـارات الداعمتين لحفتر.

وكثيرا ما تعثرت اتفاقات السلام السابقة في ليبيا المنتجة للنفط جراء الانقسامات الداخلية بين مجموعة كبيرة من الجماعات المسلحة المتنافسة التي ظهرت خلال الفوضى والقتال. ولا تخلو مبادرة الرئيس الفرنسي من صعوبات بالنظر إلى الوضع الليبي المعقد والفوضى التي تسود البلاد منذ إسقاط نظام معمر القذافي نهاية 2011 وسط تنازع السلطة وتهديد الجهاديين وتهريب الأسلحة والبشر ضمن مشهد وصفه دبلوماسي فرنسي بأنه “متفجر جدا على الصعيد السياسي والعسكري”.

وتتقاتل في ليبيا كيانات مسلحة عديدة منذ أن أطاحت ثورة شعبية العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، في ما تتصارع على الحكم 3 حكومات اثنتان منها في العاصمة طرابلس (غرب)، وهما الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا، وحكومة الإنقاذ، إضافة إلى الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء (شرق)، التي تتبع لمجلس نواب طبرق التابعة له قوات حفتر.

فشل الحل العسكري

في المقابل تقول مصادر دبلوماسية إن الإعلان المشترك سيؤكد على فشل الحل العسكري في ليبيا ويعترف بالشرعية السياسية للسراج والشرعية العسكرية للمشير حفتر. لكن وبينما تسعى هذه الخطوة إلى رأب الصدع الليبي فإنها تفتح صدعا أوروبيا بين باريس وروما أساسا، حيث تثير المبادرة الفرنسية على ما يبدو بعض الانزعاج لدى إيطاليا، القوة المستعمرة السابقة في ليبيا، وخصوصا أنها تدفع الثمن الأكبر في ملف المهاجرين الذين يصلون يوميا بالمئات إليها انطلاقا من السواحل الليبية.

وقال وزير الدولة الايطالي للشؤون الأوروبية ساندرو غوزي “على فرنسا ألا تكرّر في ليبيا الأخطاء التي ارتكبتها في الماضي”، واصفا التدخل الدولي الذي دفع الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي في اتجاهه العام 2011 بأنه كان “كارثيا”. ونبه غوزي في مقابلة مع صحيفة لا ريبوبليكا إلى أن “التزام ماكرون في الأزمة يجب أن يكون جامعا ويستند إلى علاقة خاصة مع إيطاليا”.

وراهنت إيطاليا، التي تدعم السراج، على ميليشيات مدينة مصراته وأهملت دور الجيش الليبي، فقامت ببناء مستشفى ميداني في المدينة الواقعة غربي ليبيا، واعتمدت على نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد إمعيتيق، الممثل للمدينة داخل المجلس الرئاسي. ونقلت قناة سكاي نيوز عن مراقبين قولهم إن إيطاليا بدأت تتخوف من الدور الفرنسي الجديد في ليبيا، حيث كانت تتوقع أن تكون لها مهمة رئيسية في حل الأزمة الليبية، لكن بعد سيطرة الجيش الليبي على أغلب الأراضي الليبية باتت ميليشيات مصراتة من الحلقات الأضعف والأقل تأثيرا.

ووصل الأمر إلى حد إثارة خلافات إيطالية إيطالية، حيث اتهم ساسة معارضون حكومة رئيس الوزراء باولو جنتيلوني بالسماح لفرنسا بإزاحة إيطاليا من صدارة الجهود المتعلقة بالدبلوماسية الليبية. وقالت جورجيا ميلوني زعيمة حزب إخوة إيطاليا اليميني على تويتر “الاجتماع الليبي الذي تنظمه فرنسا يظهر الفشل التام للسياسة الخارجية الإيطالية”. وأضافت “هذا أنهى دور دولتنا التقليدي كوسيط رئيسي في ليبيا”.

ورد مكتب ماكرون بأن المبادرة لا تعني عدم الاحترام لإيطاليا. وقال قصر الإليزيه “هذه ليست مبادرة تستثني الآخرين”، فيما دعا خبراء إلى التركيز على مخرجات اللقاء والآمال التي يمكن أن يحملها أيّ التزام بالاتفاق لحلّ أزمة ليبيا والمشاكل المحطية بها والتي تلقي بظلالها على إيطاليا وفرنسا وغيرهما من دول الجوار والإقليم وأوروبا. ودخل على خط انتقاد المبادرة الفرنسة إخوان ليبيا باعتبارها ستقصيهم من المشهد وتنسف كل ما عملوا على ترسيخه في ظل الفوضى التي اندلعت في البلاد وكانوا أحد مسببيها منذ 2011.

وانتقد حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الليبية، اللقاء بين السراج وحفتر، معتبرا أن “عقد أيّ لقاءات برعاية دول منفردة يمثل انحرافا عن المسار السياسي للاتفاق السياسي”. وقال حزب العدالة والبناء”، أكبر الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية في ليبيا، إنه “يرفض إدخال أيّ تعديلات على الاتفاق السياسي دون رعاية مباشرة من منظمة الأمم المتحدة”، بحسب بيان للحزب. وفي رد على الانتقاد، قال بعض الخبراء والمتابعين إن الليبيين اليوم يتطلعون إلى أيّ حل ينهي سنوات من الحرب والاغتيالات وعدم الاستقرار وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي. ويدعمون أيّ مبادرة قادرة على الخروج بهم من أتون هذا الوضع الحارق.

 

 

 

يمكنك قراءة الخبر في مصدره

اترك تعليقا