البيان المشترك للدول الغربية.. وحديث تفاقم الأزمة الإنسانية وعدم الاستقرار

0

اخبار ليبيا- محمود محي

من المتوقع أن يشكل بيان الدول الغربية الأربع حول قرار قيادة الجيش تسليم المنشآت النفطية في منطقة الهلال النفطي إلى مؤسسة النفط التابعة للحكومة المؤقتة، بداية لاصطفافات سياسية من القوى والشخصيات السياسية التي كانت تنتظر خروج الدخان الأبيض من سفارات تلك الدول لتحدد موقفها من هذه الخطوة.

مندوبون سامون

للأسف سفراء تلك الدول يعملون في ليبيا كأنهم مندوبون سامون لشعب تحت الوصاية، والمحزن أن الكثيرين يتعاملون مع هذا الأمر، باعتباره واقع يجب التسليم به.

فاتجاه البوصلة لدى هؤلاء تحدده مواقف تلك السفارات، فيما يتم تجاهل أن جيوش تلك الدول التي تمثلها تلك السفارات؛ هي السبب فيما تعانيه ليبيا الآن، من فوضى وعدم استقرار، بعد أن دمرت جيشها وبنيتها التحتية ومعظم مؤسساتها، واستقدمت إليها الجماعات المتطرفة من كل مكان، في تجاوز متعمد ومع سبق الإصرار لقرارات مجلس الأمن عام 2011.

ثقافة الوصاية

ويأتي بيان الدول الغربية تعليقا على قرار الجيش تسليم المنشآت النفطية للحكومة المؤقتة في منطقة برقة ( الشرق الليبي) دون مفاجآت،  لكن طريقة التعامل معه، تكرس بعدا سياسيا وثقافيا خطيرا ، وهي حقيقة ثقافة الوصاية بين المرسل ( تلك الدول) والمستقبل ( بعض المكونات الرسمية  والسياسية الليبية)، على أساس أن مواقف تلك الدول؛ هي التي تحدد سقف التحرك في مواجهة القرارات الكبرى في ليبيا.

بيان الدول الأربع فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ، (التي يسميها بعض الليبيين دول الوصاية)، عبرت عن شعورها بالقلق إزاء الإعلان عن نقل تبعيّة حقول النفط في رأس لانوف والسدرة ووضعها تحت سيطرة كيان آخر غير المؤسسة الوطنية للنفط الشرعية.

وأعادت التذكير بقرارات مجلس الأمن، التي تعتبر منشآت النفط الليبية وإنتاج النفط وعائداته ملك للشعب الليبي. ويجب أن تظل هذه الموارد الليبية الحيوية تحت السيطرة الحصرية للمؤسسة الوطنية للنفط الشرعية وتحت الرقابة الوحيدة لحكومة الوفاق الوطني، على النحو المبيّن في قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 2259 (2015) و2278 (2016) و 2362 (2ط017). وللتذكير فقط فإن الإصرار على تواجد المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس في حين هناك قرارا بأن بنغازي هي المقر الرئيسي لها، إنما يعكس بعدا سياسيا وليس أمنيا، وربما ليس بعيدا عن سوء النية.

وحيث يدين قرار مجلس الأمن رقم 2362 (2017) محاولات تصدير النفط بشكل غير مشروع، بما في ذلك النفط الخام والمنتجات البترولية المكرّرة من ليبيا من قبل مؤسسات موازية لا تعمل تحت سلطة حكومة الوفاق الوطني.

وإنّ أي محاولة للالتفاف على نظام عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سيسبّب ضررا بالغا لاقتصاد ليبيا، ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية، ويقوّض استقرارها الأوسع. وسيحمّل المجتمع الدولي أولئك الذين يقوّضون سلام ليبيا وأمنها واستقرارها المسؤولية كاملة. وندعو جميع الجهات المسلّحة إلى وقف الأعمال العدائية والانسحاب الفوري من المنشآت النفطية دون شروط قبل حدوث المزيد من الضرر.

دموع التماسيح

بيان الدول الأربع يحمل الكثير من التضليل ولي عنق الحقائق، وذرف لدموع التماسيح، ذلك أن السياسيات المالية الراهنة التي تتولاها المؤسسات السياسة والاقتصادية   القائمة حاليا هي سبب كل هذا الخراب الذي تعيشه ليبيا، وتبدو المغالطات التي تحاول تلك الدول ترويجها كحقائق، هي في القول أن قرار قيادة الجيش سيزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية.

هنا يبدو الغموض المتعمد ، لأن السؤال الأساس، هو أليست الأزمة الإنسانية هي الآن في ذروتها ، وهي أزمة تؤكدها تقارير المنظمات الدولية وإحاطات ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة أمام مجلس الأمن، الذي أكد في أحدها؛ أنه رغم تجاوز سقف إنتاج النفط مليون برميل يوميا؛ إلا أن عدد الفقراء في ليبيا  الدولة الغنية يزدادون!!

ولا شك أنه لا يمكن إلا لمكابر أن ينكر أن مسؤولية هذا الواقع اللا إنساني الذي يعيشه ملايين الليبيين تتحمله السلطة التي كانت وما زالت تقف وراء تنفيذ هذه السياسات، أي المجلس الرئاسي والمصرف المركزي بطرابلس وتعديات المليشيات. وهو مالا تريد أن تراه تلك الدول مع أنه يكاد يفقأ العيون لفداحة مشاهده.

كيانات الأمر الواقع

 وما زاد الطين بله أن تلك الدول تعرف أن الجهات السياسية المسؤولة بحكم الأمر الواقع  منذ سنوات عن تنفيذ تلك السياسات ، ممثلة في حكومة المجلس الرئاسي، التي باشرت ممارسة مهامها متجاهلة شرط الحصول على ثقة مجلس النواب، وهي للأسف استعاضت عن ثقة مجلس نواب الشعب الليبي كسلطة تشريع ورقابة، بأن أخذت الثقة من دول أجنبية وضربت عرض الحائط باتفاق الصخيرات والقواعد الدستورية المنظمة لنيل الحكومات الشرعية القانونية.

“شر البلية ما يضحك”

وعند حديث البيان عن الاستقرار الذي سيقوضه قرار قيادة الجيش، يمكن القول أن شر البلية ما يضحك، فأين هو الاستقرار الذي جري الحديث عنه في حين أن نائب رئيس المجلس الرئاسي تعرض للاختطاف من مقر إقامته في العاصمة طرابلس، على يد مجموعة مسلحة ( كتيبة ثوار طرابلس) مالأها المجلس الرئاسي وشرعن وجودها، وهو ما حذرت منه منظمة العفو الدولية الأسبوع الماضي.

ويبدو أن سفارات تلك الدول تعيش في دولة غير ليبيا، عندما تتحدث عن الاستقرار الذي سيقوض، في حين أن تقارير الأمم المتحدة تقدم شهريا، ما يؤكد غياب الأمن والاستقرار، خاصة في العاصمة طرابلس.

إن تفكيك بيان الدول الغربية الأربع غير المتوازن والمليء بالمغالطات، هو للقول أنه ليس هناك من هو أحرص على ليبيا وأمنها وثرواتها من أبناء ليبيا، وأن الطريق لذلك ليس عبر استدعاء التدخل الخارجي، ومن دول كانت هي السبب الأساس فيما تعيشه ليبيا من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية.

شرعيات مشكوك فيها

وفي إطار كشف المسكوت عنه، لقد تجاهلت تلك الدول أن بعض المؤسسات التي تمارس السلطة السياسية والمالية في طرابلس تفتقد إلى الشرعية؛ أو أن شرعيتها مشكوك فيها، فالمصرف المركزي المتهم بالتغطية على الفساد حسب تقرير ديوان المحاسبة الذي صدر الشهر الماضي، يفتقد محافظه إلى الشرعية، لأن مجلس النواب سبق أن أقاله واختار خلفا له، ولكنه رفض تنفيذ القرار بدعم من المجلس الرئاسي، الذي هو بدوره لم تحظ حكومته بالاعتماد من مجلس النواب، ومارست عملها بقوة الأمر الواقع وتواطؤ داخلي وخارجي.

في حين أن هذه الدول لو كانت تتحلى بقدر من النزاهة السياسية والأخلاقية لأعادت مراجعة مواقفها من بعض الكيانات السياسية وغيرها على ضوء تقرير ديوان المحاسبة الذي اتهم الجميع بالفساد الذي ضيع على الشعب الليبي مليارات الدولارات، وكان وراء عدم الاستقرار، وتفاقم الأزمة الإنسانية والخراب الاقتصادي، حتى بات الحصول على رغيف الخبز مطلبا عزيز المنال. ليكون السؤال ما هي معايير الشرعية عند تلك الدول، ما يخدم مصالح الليبيين أو ما يخدم مصالح وأجندات تلد الدول في ليبيا.

 

يمكنك قراءة الخبر في مصدره صحيفة المتوسط

اترك تعليقا