«اليوم الوطني الليبي».. بين شخصنة التاريخ والتجاهل

0

اخبار ليبيا:

بعد عام 2011، حاولت القوى المسيطرة الجديدة في ليبيا، التعامل مع بعض الأيام الوطنية الكبرى على قاعدة أنها غير موجودة، بل تم تجاهلها؛ وإلغاءها الرسمي المتعمد، باعتبارها إنجازا يحسب للقذافي وثورة سبتمبر يجب ألا يذكر، من تلك الأيام 28مارس, 11 يونيو و7 أكتوبر، وليس على أساس أنها أيام صنعها المجموع الليبي في زمن القذافي.

حالة إنكار

إن تجاهل هذه المناسبة التي حلت ذكراها الثامنة والأربعين أمس الاثنين، من بعض القوى والأشخاص ممن يحمل عدائيا شخصيا للنظام السابق، وأيضا من قبل السلطات القائمة عبر التقليل من قيمتها الوطنية، في حين أنه إحدى الصفحات المشرقة في تاريخ ليبيا الحديث، وهي تحسب للشعب الليبي.

 استجداء الوجود الأجنبي

وأي مقارنة بين الأمس واليوم السياسي الرسمي، ففي حين كانت ليبيا خالية من تدنيس الأجنبي لأرضها، نشاهد اليوم ليس استباحة ليبيا من قبل الدول الكبرى وحتى الصغرى منها( حتى قطر)، وإنما تزداد الأطماع الأجنبية للاستحواذ على ثروات ليبيا عبر التدخل المباشر وغير المباشر، والمؤسف إلى حد الخجل، أن من بين من يرفضون الاعتراف بتلك الأيام  الكبرى التي مثلت نموذجا كفاحيا ومثلا لشعوب العالم ، مَنْ يستجدي التواجد الأجنبي في هذه الأرض الطاهرة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

ووصل الحد ببعض من يرفض تسجيل هذه اليوم الوطني لصالح الشعب الليبي، لأنه في ظنه أو ظنهم، سيحسب للقذافي، وهو صحيح موضوعيا لكنه أيضا يحسب لمئات آلاف الليبيين الذي كانوا يقفون خلف القذافي، ولرغبات معظم الليبيين الناشطين سياسياً في حينها “حسب الوثيقة الأميركية”، ولكل الشعب الليبي أينما كان.

شخصنة التاريخ

إن من ينكر أهمية هذا اليوم الذي فُرض فيه قرار الإجلاء على الأمريكيين من أعز قواعدهم في الخارج، بدعوي أن اتفاقية القاعدة تنتهي عام 1970، يطرح سؤال منذ متى احترمت الولايات المتحدة وعودها؟ ثم ألم يكن هناك احتمال أن ترفض الخروج؟ ومن الذي كان سيجبرها عندئذ، أن تغادر جائزتها الكبرى في المنطقة؟  أي قواعدها الخمس؟!!

الوقائع ترد

حالة الإنكار والفجور في الخصومة ردت عليها الوثيقة المفرج عنها من قبل المخابرات المركزية الأمريكية، بتاريخ 3 أغسطس 2005م، والتي تتحدث عن قبول الحكومة الأميركية الانسحاب من قاعدة ويليس الجوية بطرابلس بعد لقاء جَمَع مجلس قيادة ثورة الفاتح وممثلين عن الولايات المتحدة الأميركية بتاريخ 11 ديسمبر 1969م.

وبينت الوثيقة أن المفاوضات الرسمية بين مجلس قيادة الثورة الجديد والأميركيين بدأت بتاريخ 15 ديسمبر 1969م.

وأكدت الوثيقة إجبار الأمريكيين من قبل القيادة الليبية على سحب قواتهم وقواعدهم من ليبيا خلال 100 يوم، كما أُجبرت بريطانيا على إجلاء قواعدها، مبينة أن المملكة المتحدة قد عقدت أول جلسة تفاوض بشأن إخلاء قواعدها، طالب فيها الليبيون بانسحابها على وجه السرعة، حيث اتفق وفد المملكة المتحدة بالإجماع على أنه يجب أن يقدم إطاراً وتاريخًا محددًا للانسحاب في الاجتماع الثاني يوم 13 ديسمبر.

وأشارت الوثيقة، إلى رفض القيادة الليبية للمهلة التي طلبها الأمريكان للرحيل والمتمثلة في مدة زمنية من ستة إلى تسعة أشهر.

وأضافت الوثيقة، أن هناك عناصر في وزارة الدفاع الامريكية كانت تؤيد تمديد المهلة لأطول فترة ممكنة، لعدة أسباب، منها إمكانية استئناف التدريب الجوي، والخوف من دعوة الليبيين لعناصر معادية لإدارة القاعدة، والاعتقاد بأن التعجيل بالانسحاب سيشجع مجلس قيادة ثورة الفاتح لاتخاذ إجراءات مستعجلة تضر بالولايات المتحدة على نحو خطير، ومصالح النفط.

وعبر الأميركيون عن اعتقادهم أن الليبيين لن يسمحوا بأي تدريب مستقبلي وأن الاتفاق الأمريكي على الإجلاء بشكل عادل، بما في ذلك تحديد موعد للانسحاب، سوف يفيد مصالح الولايات المتحدة النفطية في ليبيا، في الوقت الذي يحاول فيه إما إقصاء الولايات المتحدة أو ستكون المفاوضات ذات نتائج عكسية.

وأوضحوا إن إخلاء جميع القوات الأجنبية هي أول أهداف السياسة العامة للحكم الوطني الليبي، وهو رهان يعكس رغبات معظم الليبيين الناشطين سياسياً.

وأشارت الوثيقة إلى سعي مجلس قيادة الثورة في اجتماع القمة العربية الذي يعقد في 20 ديسمبر 1969م، إلى إعلان موعد محدد لإجلاء القوات والقواعد البريطانية والأمريكية، مؤكدة أن مصلحة ليبيا في إنتاج النفط الخاضع لسيطرة أجنبية هي في المقام الأول مالية وليست سياسية.

كما أكدت أنه طالما أن العلاقات السياسية الليبية الأمريكية مقبولة، فإن ليبيا أقل عرضة لمضايقة المنتجين الأمريكيين، مشيرة إلى حصول ليبيا على 1.3 مليار دولار من عائدات النفط في عام 1969م.

نواب يعيدون الاعتبار لـ11 يونيو

ويبدو أن منسوب الوعي بقيمة هذا اليوم الذي هو ليبي وطني بامتياز يتمثل في بيان عدد 13 نائبا من أعضاء مجلس النواب في الذكرى الثامنة والأربعين لإجلاء القواعد الأمريكية عن ليبيا ، الذي جاء فيه “تمر علينا ..ذكرى إجلاء القواعد الأمريكية التي كانت جاثمة على أرض الوطن، تنتقص سيادته، وتهدد أمنه، و تستغل مقدراته وتستبيح كرامته”.

وأضاف البيان “إننا اليوم إذ نستذكر بكل عزة وفخر هذا العمل الوطني بامتياز، والمشرف لكل من دعا له أو قام به أو ساهم في تحقيقه بل والمشرف للأمة الليبية جمعا بكامل تركيباتها” “فإننا ندعو كل الليبيين و”نحثهم على الالتفاف و التلاحم وأخذ العبرة من التاريخ المشرف الذي سطره الآباء والأجداد” .

ووقع البيان النواب صالح عبد الكريم افحيمه، جاب الله محمد الشيباني، علي السعيدي القايدي، عمر سالم العربي، فرج سالم الشلوي، علي خليفة الصول، مفتاح الكرتيحي، جبريل اوحيدة الزوي، عمر سالم العربي، فرج سالم الشلوي، علي خليفة الصول ، مفتاح الكرتيحي، جبريل اوحيدة الزوي.

ينعون حال معيتيقة الآن

من جهتها ذَكَّرتْ عائلة القذافي أن الحادي عشر من يونيو يعد علامة تاريخية فارقة لتجسيد معاني السيادة التي تتمثل في إجلاء وطرد خمسة قواعد أمريكية إحداها هويلس التي تعد الأكبر في العالم حينها.

وأكدت العائلة، في تدوينه لها على موقع التواصل الاجتماعي ” الفيس بوك” أن هويلس أصبحت معيتيقة الآن، لافتة إلى أن ذكرى الإجراء تتزامن مع عودة معيتيقة وكراً للفساد وبوابة لانتهاك سيادة الوطن ومأوى للزندقة والارهاب الدولي بعد أن كانت محرمة عليهم لأكثر من أربعين سنة كانوا فيها لقمة سائغة لأسماك المتوسط.

تاريخ تحديد مصير القاعدة

وكانت صحيفة  Air Force Magazine (مجلة القوات الجوية الامريكية) قد سردت في عدد سابق لها أن مصير قاعدة ويليس الأمريكية، تم تحديده في 1 سبتمبر 1969.

وأضافت المجلة أن العقيد دانيال جيمس كان قد عُين آمرا لقاعدة ويليس من فترة قصيرة في أغسطس 1969 كقائد لـ7272 الجناح المقاتل، والذي تفاوض مع القائد معمر القذافي شخصياً لإغلاق القاعدة .

وتابعت المجلة أن الوضع كان يتدهور بسرعة في 16 أكتوبر 1969، خاصة وأن القذافي طالب “بتصفية القواعد الأجنبية عن الأراضي الليبية.”

وأوضحت المجلة أنه بعد 14 يوما، تلقت القاعدة مذكرة رسمية من ليبيا بإجراء مناقشات بشأن إجلاء القوات الأمريكية، وإيقاف الرحلات الجوية وتدريب القوات الجوية الأمريكية في مطار ويليس من قبل القذافي.

وقالت مجلة القوات الجوية الامريكية سعت الولايات المتحدة حينذاك لتأخير التداول حتى سبتمبر 1970 ولكن أصر المفاوضون الليبيون على الرحيل النهائي للقاعدة في موعد أقصاه 30 يونيو 1970.

وأشارت المجلة إلى أن دانيال جيمس الذي رُقيّ فيما بعد ليتقلد رتبة أربع نجوم كقائد لقيادة الدفاع الجوي لأمريكا الشمالية، أشرف على انسحاب 4000 جندي و21 مليون دولار من الأصول القابلة للإزالة.

وقال دانيال جميس أن القائد معمر القذافي هدده وسحب عليه السلاح، وأكد أن عليه الرحيل خلال شهر، وهو ما دفع دانيال للاستجابة لأمر القذافي، وبذلك رحلت قاعدة ويليس خلال شهر، حيث تم إغلاق القاعدة في 11 يونيو 1970، حسب المجلة.

مجلة القوات الجوية الامريكية قالت في مقالتها إن رحيل القاعدة بالنسبة لأمريكا كان حزين جداً.

الانسحاب دون قيد أو شرط

وكان القذافي قد قال في كلمته في افتتاح مفاوضات إجلاء القوات الأميركية، أن على أميركا أﻥ ﺗﺒﺮﻫﻦ الآﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ إﻳﻤﺎﻧﻬﺎ ﺑﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﺤﺐ قواتها ﻓﻮﺭﺍ ﺩﻭﻥ ﻗﻴﺪ أو ﺷﺮﻁ.

وأضاف إﻥ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻠﻴﺒﻲ ﻻ يذكر ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍلأﻣيريكية  ﺑأي ﺧﻴﺮ ﻭإﻧﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮ ﻣﺄﺳﺎﺓ ﺍﻟﻔﺘﺎﺓ ﺍﻟﺒﺮﻳﺌﺔ ﻣﻌﻴﺘﻴﻘﺔ، ﻭﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﺪﻯ ﺻﺤﺔ ﺍﻻﺗﻬﺎﻡ أﻭ ﻋﺪﻣﻪ ﺑﺘﺪﺭﻳﺐ الإسرائيليين، ﻭﺑﺎﻟﻬﺠﻮﻡ ﺍﻟﺠﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺸﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺑﺘﻌﺮﻳﺾ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻟﻠﺸﻌﺐ ﺍﻟﻠﻴﺒﻲ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻘﻨﺎﺑﻞ ﺍﻟﺬﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ أﻭ ﻋﻨﺪ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺳﺎﺧﻨﺔ ﺑﻴﻦ أﻃﻠﺲ ﻭﻭﺍﺭﺳﻮ.

وأتهم القذافي في كلمته القائمين على القاعدة ﺑأﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺐ ﻭﺍﻟﺘﻬﺮﻳﺐ واستشهد بقضية ﺗﻬﺮﻳﺐ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﺍﻟﻠﻴﺒﻲ ﻓﻲ ﺻﻨﺪﻭﻕ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ،  وكذلك  إﺧﺮﺍﺝ ﺑﻨﺎﺩﻕ ﺍﻟﻘﻨﺎﺻﺔ ﻭﻗﻀﻴﺔ أﺧﻮﺍﻥ ﺑﻠﺰﻭﻧﻲ ﺑﺨﺎﻓﻴﺔ.

وقال القذافي  في معرض مداخلته  ﻧﺤﻦ أﻣﺔ ﻗﺪ ﺗﻐﻔﺮ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﺴﻰ.

وأكد على موقف الشعب الليبي من المطالبة بإﺧﻼﺀ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻓﻮﺭﺍ ﺩﻭﻥ أﻱ ﻗﻴﺪ ﻟﻴﺼﻔﻮ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻮ  ﺑﻴﻦ البلدين ﻟﺒﻨاءﺀ  ﻋﻼﻗﺔ  ﻧﺎﻓﻌﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺎﺱ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺪﺍﻗﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻻ ﻋﻠﻰ أﺳﺲ  الإكراه ﻭﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ.

ونبه القذافي إلى أن ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻠﻴﺒﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻄﺎﻟﺐ بالجلاء ﺍﻟﺘﺎﻡ ﺍﻟﻨﺎﺟﺰ ﺍلآﻥ “ﻳﻤﻠﻚ ﺑﻜﻞ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺣﻖ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻭإﺭﺍﺩﺓ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺣﺮﻳﺘﻪ ﻓﻮﻕ أﺭﺿﻪ لأﻧﻪ ﻗﺎﺩﺭ أﻥ ﻳﺘﺤﻮﻝ إﻟﻰ ﺟﻴﺶ ﻗﻮﺍﻣﻪ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻭ ﻧﺼﻒ ﻣﻘﺎﻭﻡ، ﻭإﻥ أﻣﺮﻳﻜﺎ أﺩﺭﻯ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﺑﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻭﻋﺠﺰ ﺍلأﺳﺎﻃﻴﻞ ﻭﺍﻟﺠﻴﻮﺵ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻮﺗﻬﺎ”.

قوة الإرادة

تلك هي الروح النضالية عالية الثقة بالنفس والشعب، التي فرضت الإجلاء على الأميركيين، وليس الاستجداء، من دولة أدمنت التعامل مع الآخرين بمنطق القوة والغطرسة، وهذه هي اللغة الوحيدة للتخاطب معها في بعض الظروف ..

وكان الإجلاء صفعة مدوية في حينها، وها هي الآن أميركا تستبيح الأجواء الليبية، ولتعود بعد عقود في شكل القيادة الأميركية في أفريقيا وغارتها الأخيرة في بني وليد، تؤكد صوابية الموقف الليبي حينها ؛ وعلى أهمية الروح الوطنية، التي وقفت وراء طرد القواعد الأميركية من ليبيا في 11 يونيو 1970.

 

يمكنك قراءة الخبر في مصدره صحيفة المتوسط

اترك تعليقا