بين الثرى والثريا شتان

0

المشهد الأول:
حدث أسبوعي يتمثل في مسيرات متفرقة تجوب أنحاء عدة في أوروبا للمطالبة بمزيد من الوحدة. البداية كانت من فرانكفورت بعد تصويت البريطانيين لبريكيست، حيث دشن جمع من الاوروبيين الداعمين لوحدة أوروبا حركة شعبية أطلقوا عليها اسم نبض أوروبا، ومنذ ذلك الحين باتت مسيراتهم الأسبوعية فرض واجب يؤدونه يوم الأحد من كل أسبوع.
المشهد الثاني:
ساحة عربية تضج وتنضح بأوجه لا حصر لها ولا عدد من خلافات تقوض أية فرصة لوحدة تراود منذ أمد طويل ملايين الحالمين من العرب الموزعين داخل أقطار ودول تجمعها وتفرقها المصالح.
مشهدان متناقضان: فأولهما يكرس لمزيد من التوافق داخل بقعة ذاقت حلاوة الاتحاد، فيما يكرس الثاني لمزيد من التشرذم داخل بقعة يحمل حاضرها بفعل فرقة تسودها الكثير من الهزائم والنكسات.
الأوربيون يؤكدون أسبوعياً بمسيراتهم المؤيدة لأوروبا موحدة على الجوانب الإيجابية لوحدة بلادهم. يرفعون صوتهم عالياً في وجه الرؤساء والزعماء معلنين استعدادهم للنضال للحفاظ على أوروبا وحدة واحدة.
ينتشرون في دول أبرزها: فرنسا، هولندا، السويد، النمسا، بلجيكا، البرتغال، إيرلندا، ليتظاهروا ضد من يصفوهم بالانعزاليين والانفصاليين.
آلاف ينتشرون في الشوارع وقد لونوا وجوههم بالأزرق والأصفر. يناهضون علانية سياسة الأحزاب اليمينية، ويهتفون بأن أوروبا أسرة واحدة لتحفيز الغالبية الصامتة كي يبقى نبض أوروبا حياً كما يقولون، أما النبض العربي فحدث ولا حرج.
الخلافات في وطننا العربي تتعمق، والتحالفات تتشكل وتنشط لتثمر خصومات وصراعات تدفع الشعوب العربية أثمانها الباهظة عبر فواتير تقتص من أمنهم واستقرارهم وسكينتهم.
تكتلات لا تجدي بقدر ما تضر. تشتت يهدد كيانات، ومصالح تقلب المعادلات ومعها بات العرب في عديد الدول وقود حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
تشتت أحمق يحكمنا. حدود ومعابر تقيد الحركة وتعرقلها، وتأشيرات وأختام لا ينال كثيرون شرف دمغها على جوازاتهم.
يحدث هذا كل يوم، فعلى المعابر الحدودية وداخل المطارات يتكبد الآلاف عناء انتظار ان يسمح له بالمرور من دولة عربية لدولة أخرى شقيقة، وإن لم يُسمح فالأمر غير مستهجن بقدر ما هو طبيعي !
فرقتنا هي أول الحقائق التي لابد أن نستحضرها ونحن ننازع أنفاسنا الأخيرة، فالإخفاقات تتوالى والتحديات تعصف باستقرارنا وبمستقبلنا.
فرّق تسدْ. هكذا سقطت الخلافة العثمانية، وسقطت الأندلس، وانهزم المسلمون في أحد. هي دروس يسردها التاريخ علينا لكننا لا نعي ولا نتعلم.
قاعدة المصالح تحكم، أما السؤال فلماذا اختلفت مصالحنا ونحن أمة تتفوق عوامل وحدتها على عوامل فرقتها؟
نحن أمة تمتد من المحيط الأطلسي غرباً إلى الخليج العربي شرقاً امتداداً طبيعياً يجمعها. وقائع التاريخ تربطنا، ولغتنا توحّدنا، وتراثنا الحضاري يآلف بيننا، لكننا رغم هذا كله فرقاء وكواهلنا المثقلة بتبعات النعرات القومية والطائفية والحزبية لا تتوحد.
فيما يناضل الأوروبيون لتتجذر وحدتهم وتترسخ، يبدو حلم الوحدة أبعد ما يكون عن واقعنا، فعرب اليوم لا يبالون ولا يرون غضاضة من السير مقبلين لا مدبرين على درب المزيد من التشرذم والتشقق والانقسام، وعلى هذا المنوال نكون نحن أعزكم الله كالثرى، وهم كالثريا، وما بين الثرى والثريا شتّان.

 

لقراءة المقال كاملا ارجوا مطالعة المصدر 

اترك تعليقا