طريق بريطانيا الشائك

0

حازم صاغية

ربـّما كانت النتيجة الأهم التي أسفرت عنها انتخابات بريطانيا انكشاف أزمة النخبة التقليدية ممثلةً بقيادة حزب المحافظين. في غضون سنة، ارتكبت هذه القيادة خطأين كبيرين دلاّ على ضعف صلتها بالواقع وبالتحولات التي تضرب الصلب الاجتماعي لبلدها.

الخطأ الأول كان ما فعلته الحكومة السابقة برئاسة ديفيد كاميرون حين دعت إلى استفتاء حول عضوية بريطانيا في الاتّحاد الأوروبي. كاميرون وأقطابه كانوا يظنون أن هذا الاستفتاء سيأتي حكماً لصالح البقاء في الاتحاد، ضداً على رغبة من باتوا لاحقاً يُعرفون بـ«البريكسيتيين». النتيجة جاءت لمصلحة هؤلاء الأخيرين بما حمل كاميرون، الذي رهن مصيره السياسي بنتيجة الاستفتاء، على الاستقالة.

الخطأ الكبير الثاني كان دعوة تيريزا ماي -وزيرة الداخلية في حكومة كاميرون التي حلت محله في رئاسة الحكومة- إلى انتخابات عامة تمنحها القدرة على التفاوض، من موقع قوة، مع الاتحاد الأوروبي، لإنجاز «بريكسيت» ومترتباته. النتيجة أتت معاكسة لتوقعات ماي: المحافظون بدل أن يعززوا أكثريتهم في مجلس العموم ويضيفوا إليها مزيداً من المقاعد، خسروا 13 مقعداً من مقاعدهم، كما خسروا بالتالي الأكثرية التي كانوا يحرزونها في البرلمان السابق.

هذان الخطآن يقدمان عيّنة واضحة وصريحة على الانتقادات التي سمعناها في السنوات القليلة الماضية لـ«النخبة التقليدية» في بريطانيا كما في سائر البلدان الغربية. البيان الانتخابي الذي حمل برنامج المحافظين أوضح كم أن هذه «النخبة» باتت منعزلة عما يجري في مجتمعها الأعرض، لاسيما عن قطاع الشبيبة الأكثر ديناميّة وبرَماً بتردي الحياة السياسية والحزبية، ولكنْ أيضاً عن قطاع كبار السنّ والمتقاعدين المتضخم. البيان المتعجرف -الذي نظر إلى المواطنين كتحصيل حاصل- لم يعد الشبيبة بأي شيء يغريهم، متجاهلاً مطالبهم كما لو لم تكن. كبار السن هددهم بسلب مكتسباتهم الرعائية والخدمية.

هذا ليس نهاية المطاف: فقيادة تيريزا ماي لحزبها، وبالتالي للحكومة، صارت هي نفسها مهددة، كما بات من الشائع في أوساط حزبها الكلام عنها بوصفها قائداً ضعيفاً وكاريكاتوراً عن الزعيمة المحافظة الراحلة مارغريت تاتشر. ولم يتردد وزير المال السابق في حكومة كاميرون في تسميتها «امرأة ميتة تمشي». وفي محاولة منها لاستدراك ضعفها داخل حزبها نفسه، عيّنت ماي في حكومتها الجديدة «مايكل غوف» وزيراً للزراعة. «غوف» كان خصماً لها داخل الحزب، اشتبك معها إبّان تولّيها وزارة الداخليّة، ثمّ أقصته عن وزارة العدل بعد توليها رئاسة الحكومة. بعد ذاك اضطرّت إلى الاعتذار لنوّاب حزبها عن الخطأ الذي ارتكبته، واعدةً بالتصحيح والتعويض!

فوق هذا، بدأ الجناح الشعبوي في الحزب يجاهر بطرح البديل: إنه وزير الخارجية بوريس جونسون الذي كان أحد قائدي الدعوة لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. أما القائد الثاني نايجل فاراج، مؤسس حزب «استقلال المملكة المتحدة» (يوكيب)، فأتى انهيار حزبه في الانتخابات الأخيرة ليعزز حظوظ جونسون المستقبلية بوصفه القائد الحاسم والقوي في جبهة المناهضين لأوروبا. ولسوف يكون الائتلاف مع «الحزب الديمقراطي الوحدوي» في إيرلندا الشمالية (10 مقاعد) عبئاً إضافياً، ليس فقط بسبب تزمته في العداء لأوروبا، بل أيضاً بسبب تزمته في المسائل الاجتماعية والجنسية التي يميل محافظون كثيرون إلى التنصل منها وإخراجها من نطاق التحالف.

فإذا أضفنا الزخم الجديد والكبير الذي تحقق لحزب العمال المعارض، وقائده اليساري- الشعبوي جيريمي كوربين، في الانتخابات الأخيرة، بات واضحاً أن طريق تيريزا ماي، وطريق بريطانيا بقيادتها، سيكونان شائكين.

نتيجة إيجابية واحدة قد تنجم عن هذا الضعف: فرئيسة الحكومة المحافظة ستعوزها القدرة على التفاوض «من موقع قوة» مع أوروبا. وهذا يعني أن بريكسيت الموعود سيكون، على الأرجح، من النوع الناعم… هذا إذا قبل الأوروبيون، خصوصاً الرئيس الفرنسي الجديد ماكرون، بذلك!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صحيفة “الحياة” اللندنية

 

لقراءة المقال كاملا ارجوا مطالعة المصدر 

اترك تعليقا