بين «الصدمة» ورياح التقسيم

0

زهير قصيباتي

بين اندفاعة روسيا إلى التصعيد مع الأميركيين في سورية، على حافة الهاوية، واندفاعة إيران إلى التصعيد المتناغم عبر «الرسائل» الصاروخية في البلد المنكوب، الموجّهة إلى الخليج أولاً وأميركا ثانياً… يصعب تجاهل تزامن تصلّب الدوحة، بعد أسبوعين على «الصدمة»، وإعلان السعودية والبحرين والإمارات ومصر قطع العلاقات مع قطر إلى أن تتوقف عن «دعم الإرهاب» وتمويله.

وإذا كان المؤسف أن دولة خليجية شقيقة خرجت على وحدة مجلس التعاون، خلال مرحلة تستعد فيها المنطقة لما بعد سحق تنظيم «داعش» في العراق وسورية، فالأكيد أن غبار الصدمة لا يحجب عن المسرح الإقليمي كثيراً من تداعيات المغامرة الروسية – الإيرانية.

ولكن، ما العلاقة بين التصعيد في الخليج والتصعيد في سورية؟ وهل حسمت موسكو أمرها في منح النظام الإيراني رعاية كاملة، ولو غامر بافتعال مواجهة مع السعودية؟

واضح أن أميركا وروسيا وإيران وتركيا، في السباق على الأدوار، تدرك جيداً أن مرحلة ما بعد «داعش» ستتطلب تغيير قواعد «تفادي الاشتباك»، سياسياً وعسكرياً… وأن الكرملين الذي ملّ انتظار الرئيس دونالد ترامب كي يبلور استراتيجية شاملة لمواجهة أزمات المنطقة وحروبها، قرر التصعيد إلى الذروة، في اختبار للأميركي لا يخلو من حسابات مغامرة، إقليمياً ودولياً.

«الصدمة» القطرية التي هزّت وحدة مجلس التعاون الخليجي، جاءت في توقيت أقل ما قد يقال فيه إنه مرحلة التمهيد لخطوط تعديل الخرائط… فيما خروج الدوحة عن الإجماع الخليجي على مقتضيات الأمن الإقليمي يخلط الأوراق، ويدفع مجلس التعاون إلى إعادة ترتيب الأولويات. صحيح أن دولاً في المنطقة في مقدّمها السعودية بذلت ولا تزال، جهوداً للدفع في اتجاه تسويات للحرب في سورية ولحروب ليبيا ومعاناة اليمن، لكن الصحيح أيضاً أن ما تشهده المنطقة من اختراقات، يهدد بتطاير شرارات معارك، لا تمانع موسكو ولا طهران في تمدُّدها.

وإن كان الروس يراهنون على فرض أمر واقع و «مناطق نفوذ» في سورية، تقترب من تقسيم هذا البلد، يصعب التغاضي عن الاندفاعة الإيرانية إلى استغلال انهماك موسكو وواشنطن بالملف السوري، لتسجيل نقاط تؤجج أزمة قطر، تحت ستار التعاون مع الدوحة كي تواجه المقاطعة الخليجية – المصرية.

ما الذي «تصطاده» إيران، بعد تكرارها مرات أنها لن تتخلى عن انتزاع صفة «القوة الإقليمية الكبرى» في الخليج، ولا عن ديبلوماسية عدائية مع السعودية، تقترب مرة أخرى من حافة الهاوية حين يمارسها «الحرس الثوري» الإيراني وزوارقه و «خبراؤه»؟

السؤال ذاته يستتبع تساؤلاً حول ميل طهران إلى الرد على رسالة العقوبات الأميركية، عبر استفزازات في الخليج، وافتعال أجواء مواجهة مباشرة مع السعودية.

بين القوى الكبرى إقليمياً، تركيا التي لم يرَ الرئيس رجب طيب أردوغان وسيلة لطمأنة المملكة إلى أهداف قاعدته العسكرية في قطر، سوى عرض إنشاء قاعدة مماثلة في السعودية! رد الرياض جاء واضحاً، فيما لا تزال أهداف «اللاعبين الكبار» تتأرجح وتترنّح تارة، وتندفع فجأة تحت ستار من الإنذارات والوعيد والتهديد.

نهاية العام الماضي، نشرت صحيفة «المشهد العسكري» القريبة من وزارة الدفاع الروسية تحقيقاً يركّز على تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ، في إطار صفقة روسية – أميركية. حصة موسكو ستكون وجوداً عسكرياً ومنطقة نفوذ، وإبقاء بشار الأسد في الحكم سنوات. فلنتذكر أن القيصر فلاديمير بوتين حذّر أخيراً من تقسيم سورية، مبدياً خشية من هذا السيناريو، لكأن الذين يسعون إليه، أعداءٌ للروس – «دعاة السلام» بالصواريخ – هبطوا من المريخ.

وبين «قلق» بوتين و «حلول» أردوغان، ووعيد «الحرس الثوري» تحت سقف أعلامه وصُور قاسم سليماني، لا يجرؤ أحد على التكهُّن بمصير المنطقة وحروبها وأزماتها، ولا خطوط التماس التي تتكاثر كلما تدفّقت الجيوش من الشرق والغرب.

قد يحلو لبوتين أن يصف كل مآسي السوريين بميدان اختبار لأسلحته، لعله يبيع أكثر. قد يتغنّى أردوغان بأنه حاول على الأقل تبديل تحالفاته لمنع شرذمة تركيا بعد سورية. أما إيران فلا يسع العرب سوى إحصاء طموحاتها وأهدافها في دولهم، وتعقّب اصطيادها في مياه الصراعات والخلافات… ومد أصابعها وراء كل محظور.

لإيران مصالحها؟ بديهي، أين مصالح العرب؟ حين تهب رياح التقسيم، مَنْ يربح سوى إيران وأميركا وروسيا؟… وحين تعلو أصوات التحريض على وحدة الخليج، مَنْ يكسب سوى خصوم الخليجيين والعرب؟

لم يفُت بعد، وقت استجابة مصالح مجلس التعاون ومطالبه بلغة الواقعية، ومواجهة الأزمات بعقلانية، بعد مراعاة مقتضيات السيادة التي لا يمكن أن تتعارض مع روابط بين أشقاء، أول واجباتهم حماية الاستقرار من الاختراقات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صحيفة “الحياة” اللندنية

 

لقراءة المقال كاملا ارجوا مطالعة المصدر 

اترك تعليقا