ألَمْ نَقُلْ لَكُمْ؟!!!!

0

” ألَمْ نَقُلْ لَكُمْ ” .. ” لقد خدعوكم ولعبت الجزيرة وعملاء أمريكا من القطريين ودول الخليج بعقولكم وهرولتم خلفهم” .. “ها انتم تحصدون ما زرعتموه بأيديكم يوم17 فبراير” .. ” هذا حصاد ما زرعه القذافي على مدى اربعين عام من حكمه” ..

بمثل هذه العبارات الساخرة والمغرقة في السطحية، يختزل أتباع النظام السابق في ليبيا ، و أتباع هبة فبراير والسائرون في ركبهما بغير وعي مأساة ليبيا اليوم.. فما ان تعبر عن غضبك و شعورك بالإحباط أمامهم مما يجري في ربوع ليبيا من كوارث وجرائم وخيانات وإزهاق للأرواح وهدر للدماء وتبديد للعرق والثروات، حتى يلكزونك بهذه العبارات التي تعبر عن رؤيتهم القاصرة عن إدراك أسباب هذه المأساة، وأبعادها الخطيرة..

لم يطرق وعي أتباع النظام السابق المتمرسين وراء ماض تجاوزته الأحداث، من مشاهد المأساة سوى صورها وحوادثها الراهنة، ولم يكلفوا أنفسهم النظر فيما وراء هذه الحوادث المدمرة من أسباب وعوامل تمتد جذورها الى أربعينية سبتمبر، ساهمت و لازالت تساهم في تأجيجها وإنتاج المزيد من المآسي والكوارث على الليبيين، والتي لن ينجلي ظلامها الكريه إلا بتطهير عقول هذه الأجيال من ثقافة العنف وعدم الانتماء والتقوقع على الذات الجهوية والعرقية والقبلية..

و أنا هنا في نقدي لهذه اللغة الهدامة والمتجاهلة لطرف مؤسس لهذه المأساة، لا ارمي إلى تبرئة الفبرايريين بكل أطيافهم بما فيهم النادمون من تحمل جزء من المسؤولية عنها، بل أود أن الفت انتباه مطلقي هذه العبارات الى أن نظام معمر القذافي الذي يحاولون تبرئته من المسؤولية عن جزء مهم منها، هو الطرف المؤسس لهذه المأساة التي يشكل غياب الوعي والانتماء لوطن اسمه ليبيا في عقول الجيل الذي ولد وتكون في ظل حكمه ، هو الذي خلق البيئة المثالية لاشتعال أتون هذه المأساة ، وكان و لازال المؤمنون به يؤججونها ويوسعون حرائقها بترديد هذه العبارات التي تحصر المسؤولية عنها في طرف واحد هو بكل تأكيد مسؤول عن جزء منها ..

و لكننا اليوم كليبيين؛ إذا كان لدينا ذرة من الانتماء لهذا الوطن وإيمان به وبضرورة تحريره من براثن الارتهان لقوى أجنبية ، وإعادة بنائه على أسس وطنية صلبة ، لابد لنا من التوقف عن تعليق أخطائنا بالكامل على ما أنتجه هذا النظام من أخطاء والخروج من اسر هذه الرؤية القاصرة والمتهربة والبعيدة عن الواقع، لابد لنا من امتلاك الشجاعة والجرأة على نقد ذاتنا والاعتراف بأخطائنا والإسراع بمعالجتها والاستعداد للتضحية بكل ما نملك وحتى بأرواحنا من اجل إخراج بلادنا من هذا الأتون الحارق..

يجب على الفبرايريين والسبتمبريين وكل الأطياف التي تؤمن بليبيا كوطن لكل الليبيين بكل أطيافهم وانتماءاتهم ، وتؤمن بالديمقراطية ومبدأ التداول السلمي على السلطة، وصناديق الاقتراع كوسيلة للوصول للحكم والحوار كمبدأ في التعامل، و وجود الآخر المختلف كضرورة لاستمرار الحياة؛ يجب عليهم الإسراع بفك ارتباطاتهم بكل القوى الأجنبية الإقليمية و الدولية التي تعبث بأمنهم وتبدد مواردهم وتمزق نسيجهم الاجتماعي وتحول ليبيا الى وكر للإرهاب والتخريب، و وضع برنامج مصالحة شاملة تتجاوز كل مرارات الماضي، والتخلي عن تلك القناعات الخاطئة سواء تلك التي تحاول تبرئة النظام السابق من المسؤولية عن جزء من هذه المأساة، او تلك التي تحاول حصر أسبابها فيه والتبرؤ من المسؤولية عن جزء مهم منها..

وإذا لم ننجح في امتلاك القدرة والشجاعة والجرأة الكافية على اتخاذ هذه الخطوات الضرورية للخروج من هذا النفق المظلم ، واذا لم نتمكن من بناء أجيال تؤمن بالانتماء لهذا الوطن متجاوزة لكل الانتماءات القزمية، رافضة للارتباط بأي قوى أجنبية على أية خلفية.. أجيال تمتلك جرأة نقد الذات والاعتراف بكل الأخطاء التي وقعنا فيها .. أجيال تقرر بكل شجاعة القطيعة مع الماضي، تتخذ من المعرفة والتحصيل العلمي وجهة لها لبناء مستقبلها..اذا لم ننجح في إنجاز هذه الخطوات فإننا سنبقى نخوض في وحول هذه المآسي، وسيديننا التاريخ بجريمة ضياع وطننا وتحول أبناءنا الى لاجئين يطاردهم الجوع والقهر والاضطهاد في كل بقاع الأرض، فيما وطنهم يفيض بخيرات تكفيهم شر اللجوء والجوع والاضطهاد..

أيها الليبيون والليبيات بكل أطيافكم وانتماءاتكم، لقد حان الوقت، بل فات منه الكثير للتخلي عن مراراتكم وخلافاتكم والتوقف عن ترديد عبارات ” الم نقل لكم” و “هذا حصاد ما زرعه القذافي”.. واعترفوا بكل شجاعة بمسؤوليتكم مجتمعين بدون استثناء، عن ما تعانونه ويعانيه وطنكم من ضياع وتدمير، وكرسوا وقتكم وجهدكم لمعالجة أخطائكم وإعادة بناء وطنكم على اسس سليمة تخرجه من هذا الضياع و تضعه على طريق التطور والتقدم يضمن للأجيال القادمة ظروف حياة كريمة تليق بهم كبشر في عالم لا مكان فيه إلا للأقوياء المنتمين الى أرضهم ..

 الكاتب / محمد عبعوب
اترك تعليقا