رسائل الغنوشي

0

د. امال موسى

تعرف تونس اليوم مشاكل عدّة، ولكن عوض أن تكون هذه المشاكل محور النقاشات السياسيّة الجادة، فإن الطبقة السياسيّة تترك الجاد جانباً وتركز على المسائل الجانبية الثانوية كي تخلق منها جدلاً تبرر من خلاله وجودها.

ففي الوقت الذي يتابع فيه التونسيون بقلق حال الاقتصاد ومشكلة البطالة والانهيار المتواصل للدينار التونسي أمام اليورو والدولار وغلاء الأسعار والتشتت داخل الأحزاب السياسيّة ومظاهر الانقسامات، نجد أن الجدل السياسي يدور حول التصريحات الأخيرة للسيّد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، التي وجه فيها دعوة مباشرة وصريحة لرئيس الحكومة الحالي السيد يوسف الشاهد إلى عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسيّة 2019، كما وردت هذه الدعوة في سياق لا يخلو من انتقادات مباشرة وغير مباشرة.

المشكلة أن الجزء الكبير من الجدل الذي أثارته هذه الدعوة التي كان من الممكن أن تمر مرور الكرام، تعلق بالحق الدستوري للسيد الشاهد في المشاركة في الانتخابات، وطالب الحزب الجمهوري في المقابل راشد الغنوشي بتقديم تعهد يُفيد بأنّه لن يشارك في الانتخابات الرئاسيّة القادمة، أي إن الموضوع أصبح يتعلق بمدى قدرة وجوه سياسية معينة على تقديم تعهدات بعدم المشاركة في انتخابات 2019.

وكما نرى فهي تعهدات خاطئة من الأساس وأقرب ما تكون إلى شكل من أشكال إهدار الوقت السياسي، ذلك أن التعهدات الحقيقية هي التي تنقذ تونس من تراكم المشاكل والوضع الاقتصادي غير المعلوم الانفراج إلى حد الساعة.

طبعاً الذين ركزوا في الجدل المثار حول ضمان الدستور التونسي للحق في المشاركة في الانتخابات لجميع التونسيين، مبرزين أن التعهدات التي قدمها الرئيس الباجي قائد السبسي عام 2011 وأيضاً رئيس الحكومة الأسبق المهدي جمعة في 2014 إنما هي تعهدات يبررها السياق الزمني السياسي الذي جاءت فيه، باعتبار أن الانتخابات التشريعية والرئاسية لم تتم إلا في أواخر 2014… هؤلاء لديهم الحق، ولكن هل يفوت السيّد راشد الغنوشي مثل هذا الحق؟

بالتأكيد لا يفوته. وهو ما يعني أن هذه الدعوة تستبطن رسائل وملاحظات غير التي انشغلت بها الطبقة السياسيّة ووسائل الإعلام.

فهذه الدعوة هي تعبير عن موقف نقدي من الحزبين الحاكمين، أي حزب نداء تونس الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد وأيضاً حركة النّهضة. ويبدو أنه بحكم الانقسامات الحاصلة داخل نداء تونس وحساسية مؤسسة الرئاسة من الإعلان عن انتقاداتها، كان لزاماً على رئيس حركة النهضة تولي هذه المهمة.

أيضاً يبدو لنّا أنّه موقف نقدي يُراد من خلاله لفت انتباه الشاهد بشكل علني إلى أنّه لا يحظى بدعم الحزبين الحاكمين وأن عليه تدارك أمره.

في هذا السياق وقبل أن نتعرض إلى مجالات التدارك الممكنة، فإنّه من المهم الإشارة إلى أن الطريقة التي أدار بها رئيس الحكومة قضية الفساد لم ترُق لبعض القيادات التابعة للحزبين الحاكمين، خصوصاً أن السيّد الشاهد احتكر إدارة هذه القضية ووضع الأحزاب الحاكمة في نوع من المآزق لعل من أهمها ما يتعلق بمشروع قانون المصالحة الذي تراجعت حظوظ قبوله والمصادقة عليه مع الحملة التي قامت بها الحكومة وطالت رؤوساً كانت فاعلة – مادياً – نسبياً في بعض الأحزاب.

الظاهر أيضاً أن الدعوة المشار إليها تتضمن إمكانية للتدارك بالنسبة إلى رئيس الحكومة إذا جاز لنا قول ذلك: أولاً هناك تلويح منذ مدة عن احتمال القيام بتحوير وزاري، وهذا يستدعي تفاهماً وتناغماً مع الحزبين الحاكمين كي يتم التحوير بسلاسة ووفق إرادة رئيس الحكومة.

ولعل الانتخابات البلدية التي ستلتئم في ديسمبر (كانون الأول) القادم تمثل أيضاً فرصة تدارك حقيقية، وإن كان أمر هذه الانتخابات موكولاً إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

بيت القصيد: لقد قام السيّد راشد الغنوشي بمحاولة ترتيب البيت السياسي الحاكم وتذكير رئيس الحكومة بثقل حركة النهضة وحزب نداء تونس وأن القضايا الكبرى لا يُحسم في شأنها بعيداً عنهما.

وأغلب الظن أن الإعلان عن الانتقادات صراحة مقصود، خصوصاً أنه لا معنى أصلاً للتحدث عن الانتخابات الرئاسيّة القادمة التي يفصلنا عنها أكثر من سنتين في الوقت الراهن وفي ظل المشاكل الموجودة حالياً.

إضافة إلى أن نقد تصريح وزير المالية الذي أشار إلى صعوبة الوضع المالي، حيث رأى فيه إحباطاً للتونسيين، يبدو لنا أنه نقد غير بريء بالمرة ويرد الإحباط لفريق الحكومة ويظهر فشل الحكومة في مسألة حيويّة، مع ما يعنيه ذلك من رد استراتيجي ومدروس على نتائج استطلاعات الرأي التي بينت ازدياد شعبية رئيس الحكومة الذي بدأ مع حملته المفاجئة على ما سمته الحكومة مقاومة الفساد.

يمكنك قراءة الخبر في مصدره

اترك تعليقا